کد مطلب:211506 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:178

حدیث اهلیلجه
بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین و صلی الله علی محمد و آله الطاهرین، و بعد هذا كتاب مناظرة مولانا الصادق علیه السلام للهندی فی معرفة الله جل جلاله بطرق غریبة عجیبة ضروریة تدهش الاذهان و یذعن بما بمجرد سماعها الانسان بادنی تفكر فی هذا البیان حتی اقر الهندی بالالهیة و الوحدانیة و لعمری ان هذا الكتاب من اشرف الكتب لانه كتاب الاشرف فلنعم ما قیل، كلام الملوك ملوك الكلام.

و فی البحار فی كتاب التوحید، حدثنی محمد بن محرزة بن سعید النحوی بدمشق قال حدثنی محمد بن ابی مسهر بالرملة عن ابیه عن جده قال كتب المفضل بن عمر الجعفی الی ابی عبدالله جعفر بن محمد الصادق علیه السلام یعلمه ان اقواما ظهروا من اهل هذه الملة یجدون الربوبیة و یجادلون علی ذلك و یسأله ان یرد علیهم قولهم و یحتج علیهم فیما ادعوا بحسب ما احتج به علی غیرهم فكتب ابوعبدالله علیه السلام.

متن حدیث

بسم الله الرحمن الرحیم اما بعد وفقنا الله و ایاك لطاعته و اوجب لنا بذلك رضوانه برحمته وصل كتابك تذكر فیه ما ظهر فی ملتنا و ذلك من قوم من اهل الالحاد بالربوبیة و قد كثرت عدتهم و اشتدت خصومتهم و تسأل ان اضع الرد علیهم و النقض لما فی ایدیهم كتابا علی نحو ما رددت علی غیرهم من اهل البدع و الاختلاف و نحن نحمد الله علی النعم السابغة و الحجج البالغة و البلاء المحمود عند الخاصة و العامة فكان من نعمه العظام و آلائه الجسام التی انعم بها تقریره قلوبهم بربوبیته و اخذه میثاقهم بمعرفته و انزاله علیهم كتابا فیه شفاء لما فی الصدور من امراض الخواطر و مشتبهات الامور و لم یدع لهم و لا لشی ء من خلقه حاجة الی من سواه و استغنی عنهم و كان الله غنیا حمیدا و لعمری ما اتی الجهال من قبل ربهم و انهم لیرون الدلالات الواضحات و العلامات البینات فی خلقهم و ما یعاینون من ملكوت السماوات و الارض و الصنع العجیب المتقن الدال علی الصانع و لكنهم قوم فتحوا علی انفسهم ابواب المعاصی و سهلوا



[ صفحه 406]



لها سیل الشهوات فغلبت الاهواء علی قلوبهم و استحوذ الشیطان بظلمهم علیهم و كذلك یطبع الله علی قلوب المعتدین و العجب من مخلوق یزعم ان الله یخفی علی عباده و هو یری أثر الصنع فی نفسه بتركیب یبهر عقله و تألیف یبطل حجته.

و لعمری لو تفكروا فی هذه الامور العظام لعاینوا من امر التركیب البین و لطف التدبیر الظاهر و وجود الاشیاء مخلوقة بعد ان لم تكن ثم تحولها من طبیعة الی طبیعة و صنیعة بعد صینعة ما یدلهم ذلك علی الصانع فانه لا یخلو شی ء منها من ان یكون فیه اثر تدبیر و تركیب یدل علی ان له خالقا مدبرا و تألیف بتدبیر یهدی الی واحد حكیم و قد وافانی كتابك و رسمت لك كتابا كنت نازعت فیه بعض اهل الادیان من اهل الانكار و ذلك انه كان یحضرنی طبیب من بلاد الهند و كان لا یزال ینازعنی فی رایه و یجادلنی علی ضلالته فبینا هو یوما یدق اهلیلجة لیخلطها دواءا احتجت الیه من ادویته اذ عرض له شی ء من كلامه الذی لم یزل ینازعنی فیه من ادعائه.

ان الدنیا لم تزل و لا تزال شجرة تنبت و اخری تسقط و نفس تولد و اخری تتلف و زعم ان انتحالی المعرفة لله تعالی دعوی لا بینة لی علیها و لا حجة لی فیها و ان ذلك امر اخذه الاخر عن الاول و الاصغر عن الاكبر و ان الاشیاء المختلفة و لمؤتلفة و الباطنة و الظاهرة انما تعرف بالحواس الخمس نظر العین و سمع الاذن و شم الانف و ذوق الفم و لمس الجوارح ثم قاد منطقه علی الاصل الذی وضعه فقال لم یقع شی ء من حواسی علی خالق یؤدی الی قلبی انكارا لله تعالی ثم.

قال اخبرنی بم تحتج فی معرفة ربك الذی تصف قدرته و ربوبیته و انما یعرف القلب الاشیاء كلها بالدلالات الخمس التی وصفت لك قلت بالعقل الذی فی قلبی و الدلیل الذی احتج به فی معرفته قال فانی یكون ما تقول و انت تعرف ان القلب لا یعرف شیئا بغیر الحواس الخمس فهل عاینت ربك او سمعت صوته باذن او شممته بأنف او ذقته بفم او مسسته بید فادی ذلك المعرفة الی قلبك؟ قلت أرأیت اذا انكرت الله و جحدته لانك زعمت انك لا تحسه بحواسك التی تعرف بها الاشیاء و اقررت أنابه فهل بدمن ان یكون احدنا صادقا و الاخر كاذبا؟ قال لا. قلت أرأیت ان كان القول قولك فهل یخاف علی شی ء مما اخوفك به من عقاب الله تعالی؟ قال لا. قلت افرأیت ان كان كما اقول و الحق بیدی الست قد اخذت فیما كنت احاذر من عقاب الخالق بالثقة و انك وقعت بجحودك و انكارك فی الهلكة؟ قال بلی.



[ صفحه 407]



قلت فأینا اولی بالحزم و اقرب من النجاة؟ قال انت الا انك من امرك علی ادعاء و شبهة و انا علی یقین و ثقة لانی لا اری حواسی الخمس ادركته و لا تدركه حواسی فلیس عندی بموجود. قلت انه لما عجزت حواسك عن ادراك الله تعالی انكرته، و انا لما عجزت حواسی عن ادراك الله صدقت به. قال و كیف ذلك؟ قلت لان كل شی ء جری فیه أثر تركیب لجسم او وقع علیه بصر للون فما ادركته الابصار و نالته الحواس فهو غیر الله سبحانه لانه لا یشبه الخلق و لا یشبهه الخلق، و ان هذا الخلق ینتقل بتغییر و زوال و كل شی ء اشبه التغیر و الزوال فهو مثله و لیس المخلوق كالخالق و لا المحدث كالمحدث. قال. ان هذا القول لمنكر ما لم تدركه حواسی فتؤدیه الی قلبی فلما اعتصم بهذه المقالة و لزم هذه الحجة قلت اما اذا أبیت الا ان تعتصم بالجهالة و تجعل المحاجزة حجة فقد دخلت فی مثل ما عبت و امتثلت ما كرهت حیث قلت انی اخترت الدعوی لنفسی لان كل شی ء لم تدركه حواسی عندی بلا شی ء. قال و كیف ذلك؟ قلت لانك نقمت علی أدعائی و دخلت فیه فادعیت امرا لم تحط به خبرا و لم تقله علما فكیف استجزت لنفسك الدعوی فی انكارك الله و دفعك اعلام النبوة و الحجة الواضحة و عبتها علی؟ اخبرنی هل احطت بالجهات كلها و بلغت منتهاها؟ قال لا. قلت فهل رقیت الی السماء التی تری او انحدرت الی الارض السفلی فجلت فی اقطارها او هل خضت فی غمرات البحور و اخترقت نواحی الهواء من فوق السماء او تحتها الی الارض و ما اسفل منها فوجدت ذلك خلوا من مدبر حكیم عالم بصیر.

قال لا. قلت فما یدریك لعل الذی انكره قلبك هو فی بعض ما لم تدركه حواسك و لم یحط به علمك؟ قال لا ادری لعل فی بعض ما ذكرت مدبرا و ما ادری لعله لیس فی شی ء من ذلك شی ء. قلت اما اذ خرجت من حد الانكار الی منزلة الشك فانی ارجو ان تخرج الی المعرفة.

قال فانما دخل علی الشك لسؤالك ایای عما لم یحط به علمی و لكن من این یدخل علی الیقین بما لم تدركه حواسی؟ قلت من قبل اهلیلجتك هذه. قال ذاك ادا اثبت للحجة لانها من آداب الطب الذی اذعن بمعرفته. قلت انما اردت ان آتیك من قبلها لانها اقرب الاشیاء الیك ولو كان شی ء اقرب الیك منها لاتیتك من قبله لان فی كل شی ء أثر تركیب و حكمة و شاهدا یدل علی الصنعة الدالة علی من صنعها و لم تكن شیئا و یهلكها حتی لا تكون شیئا. قلت فاخبرنی هل تری هذه الاهلیلجة؟ قال نعم. قلت افتری غیب ما فی جوفها؟. قال لا. قلت افتشهد انها مشتملة علی تواة و لا تراها؟ قال ما یدرینی لعل لیس فیها شی ء. قلت افتری ان



[ صفحه 408]



خلف هذا القشر من هذه الاهلیلجة غائب لم تره من لحم او ذی لون؟ قال ما ادری لعل ماثم غیر ذی لون و لا لحم.

قلت افتقر ان هذه الاهلیلجة التی یسمیها الناس بالهند موجودة لاجتماع اهل الاختلاف من الامم علی ذكرها؟ قال ما ادری لعل ما اجتمعوا علیه من ذلك باطل. قلت افتقر ان الاهلیلجة فی ارض تنبت؟ قال تلك الارض و هذه واحدة و قد رأیتهما قلت افما تشهد بحضور هذه الاهلیلجة علی وجود ما غاب من اشباهها؟ قال ما ادری لعله لیس فی الدنیا اهلیلجة غیرها. فلما اعتصم بالجهالة قلت اخبرنی عن هذه الاهلیلجة اتقرانها خرجت من شجرة او تقول انها هكذا وجدت؟

قال لا بل من شجرة خرجت. قلت فهل ادركت حواسك الخمس ما غاب عنك من تلك الشجرة؟ قال لا. قلت فما اراك الا قد أقررت بوجود شجرة لم تدركها حواسك. قال أجل و لكنی اقول ان الاهلیلجة و الاشیاء المختلفة شی ء لم یزل فهل عندك فی هذا شی ء ترد به قولی؟ قلت نعم اخبرنی عن هذه الاهلیلجة هل كنت عاینت شجرتها و عرفتها قبل ان تكون هذه الاهلیلجة فیها؟ قال نعم. قلت فهل كنت تعاین هذه الاهلیلجة؟ قال لا. قلت افما تعلم انك كنت عاینت الشجرة و لیس فیها الاهلیلجة ثم عدت الیها فوجدت فیها الاهلیلجة افما تعلم انه قد حدث فیها مالم تكن؟ قال ما استطیع ان انكر ذلك و لكنی اقول انها كانت فیها متفرقة. قلت فاخبرنی هل رأیت تلك الاهلیلجة التی تنبت منها شجرة هذه الاهلیلجة قبل ان تغرس؟ قال نعم. قلت فهل یحتمل عقلك ان الشجرة التی یبلغ اصلها و عروقها و فروعها و لحاؤها و كل ثمرة جنیت و ورقة سقطت ألف ألف رطل كانت كامنة فی هذه الاهلیلجة؟ قال ما یحتمل هذا العقل و لا یقبله القلب. قلت اقررت انها حدثت فی الشجرة. قال نعم و لكنی لا اعرف انها مصنوعة فهل تقدر ان تقررنی بذلك؟ قلت نعم. أرأیت انی اریتك تدبیرا اتقرأن له مدبرا و تصویرا ان له مصورا؟. قال لابد من ذلك.

قلت الست تعلم ان هذه الاهلیلجة لحم ركب علی عظم فوضع فی جوف متصل بغصن مركب علی ساق یقوم علی أصل فیتقوی بعروق من تحتها علی جرم متصل بعض ببعض؟ قال بلی. قلت الست تعلم ان هذه الاهلیلجة مصورة بتقدیر و تخطیط و تألیف و تركیب و تفصیل متداخل بتألیف شی ء فی بعض شی ء به طبق بعد طبق و جسم علی جسم و لون مع لون ابیض فی صفرة و لین علی شدید فی طبایع متفرقة و طرائق مختلفة و اجزاء مؤتلفة مع لحاء



[ صفحه 409]



تسقیها و عروق یجری فیها الماء و ورق یسترها و یقیها من الشمس ان تحرقها و من البرد ان یهلكها و الریح ان تذبلها. قال أفلیس لو كان الورق مطبقا علیها كان خیرا لها؟ قلت الله الله أحسن تقدیرا لو كان كما تقول لم یصل الیها ریح تروحها و لا برد یشددها و لعفنت عند ذلك ولو لم یصل الیها حر الشمس لما نضجت و لكن شمس مرة و ریح مرة و برد مرة قدر الله ذلك بقوة لطیفة و دبره بحكمة بالغة، قال حسبی من التصویر، فسرلی التدبیر الذی زعمت أنك ترنیه، قلت أرأیت الاهلیلجة قبل ان تعقد اذهی فی قمعها ماء بغیر نواة و لا لحم و لا قشر و لا لون و لا طعم و لا شدة؟ قال نعم. قلت أرأیت لو لم یرفق الخالق ذلك الماء الضعیف الذی هو مثل الخردلة فی القلة و الذلة و لم یقوه بقوته و یصوره بحكمته و یقدره بقدرته هل كان ذلك الماء یزید علی ان یكون فی قمعه غیر مجموع بجسم و قمع و تفصیل فان زاد زاد ماءا متراكبا بعضه فوق بعض غیر مصور و لا مخطط و لا مدبر بزیادة اجزاء و لا تألیف اطباق؟ قال قد أریتنی من تصویر شجرتها و تألیف خلقتها و حمل ثمرتها و زیادة اجزائها و تفصیل تركیبها اوضح الدلالات و اظهر البینة علی معرفة الصانع و لقد صدقت بان الاشیاء مصنوعة و لكنی لا ادری لعل الاهلیلجة و الاشیاء صنعت أنفسها قلت اولست تعلم ان خالق الاشیاء و الاهلیلجة حكیم عالم بما عاینت من قوة تدبیره؟ قال بلی. قلت فهل ینبغی للذی هو كذلك ان یكون حدثا؟ قال لا. قلت أفلست قد رأیت الاهلیلجة حین حدثت و عاینتها بعد ان لم تكن شیئا ثم هلكت كأن لم تكن شیئا؟ قال بلی، و انما اعطیتك ان الاهلیلجة حدثت و لم اعطك ان الصانع لا یكون حادثا لا یخلق نفسه. قلت ألم تعطنی ان الحكیم الخالق لا یكون حدثا و زعمت الاهلیلجة حدثت فقد اعطیتنی ان الاهلیلجة مصنوعة فهو عزوجل صانع الاهلیلجة، و ان رجعت الی ان تقول ان الاهلیلجة صنعت نفسها و دبرت خلقها فمازدت ان اقررت بما انكرت و وصفت صانعا مدبرا أصبت صفته و لكنك لم تعرفه فسمیته بغیر اسمه قال كیف ذلك. قلت لانك اقررت بوجود حكیم لطیف مدبر سألتك من هو قلت الاهلیلجة قد اقررت بالله سبحانه و لكنك سمیته بغیر أسمه ولو عقلت و فكرت لعلمت ان الاهلیلجة انقص قوة من ان تخلق نفسها و اضعف حیلة من ان تدبر خلقها. قال هل عندك غیر هذا؟ قلت نعم اخبرنی عن هذه الاهلیلجة التی زعمت أنها صنعت نفسها و دبرت أمرها كیف صنعت نفسها صغیرة القدرة ناقصة القوة لا تمتنع ان تكسر و تعصر و تؤكل و كیف صنعت نفسها مفضولة مأكولة مرة قبیحة المنظر لا بهاء لها و لا ماء. قال لانها لم تقوالا علی ما صنعت نفسها أولم تصنع الا ما هویت



[ صفحه 410]



قلت اذا أبیت الا التمادی فی الباطل فاعلمنی متی خلقت نفسها و دبرت خلقها قبل ان تكون او بعد ان كانت فان زعمت ان الاهلیلجة خلقت نفسها بعد ما كانت فان هذا لمن أبین المحال كیف تكون موجودة مصنوعة تصنع نفسها مرة اخری فیصیر كلامك الی أنها مصنوعة مرتین و لان قلت انها خلفت نفسها و دبرت خلقها قبل ان تكون أن هذا من اوضح الباطل و أبین الكذب لانها قبل ان تكون لیس بشی ء فكیف یخلق لا شی ء شیئا و كیف تعیب قولی ان شیئا یصنع لا شیئا و لا تعیب قولك ان لا شی ء لا یصنع لا شیئا فانظر الی القولین اولی بالحق. قال قولك قلت فما یمنعك منه. قال قد قبلته و استبان لی حقه و صدقه بان الاشیاء المختلفة و الاهلیلجة لم یصنعن أنفسهن و لم یدبرن خلقهن و لكنه تعرض لی ان الشجرة هی التی صنعت الاهلیلجة لانها خرجت منها. قلت فمن صنع الشجرة قال الاهلیلجة الاخری. قلت اجعل لكلامك غایة انتهی الیها.

فاما ان تقول هو الله سبحانه فیقبل منك، فاما ان تقول الاهلیلجة فنسألك

قال سل. قلت اخبرنی عن الاهلیلجة هل تنبت منها الشجرة الا بعدما ماتت و بلیت و بادت؟ قال لا. قلت ان الشجرة بقیت بعد هلاك الاهلیلجة مأة سنة فمن كان یحمیها و یزید فیها و یدبر خلقها و یربیها و ینبت ورقها مالك بدمن ان تقول هو الذی خلقها و لان قلت الاهلیلجة و هی حیة قبل أن تهلك و تبلی و تصیر ترابا و قدر بت الشجرة و هی میتة ان هذا القول مختلف. قال لا اقول ذلك قلت افتقر بان الله خلق الخلق. ام قد بقی فی نفسك شی ء من ذلك قال أنی من ذلك علی حد وقوف ما اتخلص الی امر ینفذلی فی الامر.

قلت اما اذا ابیت الا الجهالة و زعمت ان الاشیاء لا تدرك الا بالحواس فانی اخبرك انه لیس للحواس دلالة علی الاشیاء و لا فیها معرفة الا بالقلب فانه دلیلها و معرفها الاشیاء التی تدعی ان القلب لا یعرفها الا بها. فقال اما اذ نطقت بهذا فما اقبل منك بالتخلیص و التفحیص منه بایضاح و بیان و حجة و برهان قلت فاول ما ابدأ به انك تعلم انه ربما ذهب الحواس او بعضها و دبر القلب الاشیاء التی فیها المضرة و المنفعة من الامور العلانیة و الخفیة فامر بها و نهی و نفذ فیها أمره و صح فیها امره و صح فیها قضاؤه قال انك تقول فی هذا قولا یشبه الحق و لكنی أحب ان توضحه لی غیر هذا الایضاح. قلت ألست تعلم ان القلب یبقی بعد ذهاب الحواس قال نعم و لكن یبقی بغیر دلیل علی الاشیاء التی تدل علیها الحواس.

قلت أفلست تعلم ان الطفل تضعه امه مضغة لیس تدله الحواس علی شی ء یسمع و لا



[ صفحه 411]



یبصر و لا یذاق و لا یلمس و لا یشم قال بلی قلت فایة الحواس دلته علی طلب اللبن اذا جاع و الضحك بعد البكاء اذا روی من اللبن و أی حواس سباع الطیر و لا قط الحب منها دلها علی ان تلقی بین افراخها اللحم و الحب فتهوی سباعها الی اللحم و الاخرون الی الحب و أخبرنی عن فراخ طیر الماء الست تعلم ان فراخ طیر الماء اذا طرح فیه سبحت و اذا طرحت فیه فراخ طیر البر غرقت و الحواس واحدة فكیف انتفع بالحواس طیر الماء و اعانته علی السباحة و لم تنتفع طیر البر فی الماء بحواسها؟ و ما بال طیر البر اذا غمستها فی الماء ساعة ماتت، و أذا امسكت طیر الماء عن الماء ساعة ماتت، فلا اری الحواس فی هذا الا منكسرا علیك، و لا ینبغی ذلك ان یكون الا من مدبر حكیم جعل للماء خلقا و للبر خلقا.

أم اخبرنی ما بال الذرة التی لا تعاین الماء قط تطرح فی الماء فتسبح و تلقی الانسان ابن خمسین سنة من اقوی الرجال و اعقلهم لم یتعلم السباحة فیغرق، كیف لم یدله عقله و لبه و تجاربه و بصره بالاشیاء مع اجتماع حواسه و صحتها ان یدرك ذلك بحواسه كما ادركته الذرة ان كان ذلك انما یدرك بالحواس افلیس ینبغی لك ان تعلم القلب الذی هو معدن العقل فی الصبی الذی وصفت و غیره مما سمعت من الحیوان هو الذی یهیج الصبی الی طلب الرضاع و الطیر اللاقط الی لقط الحب و السباع علی ابتلاع اللحم؟ قال لست أجد القلب یعلم شیئا الا بالحواس. قلت اما اذا بیت الا النزوع الی الحواس فانا نقبل نزوعك الیها بعد رفضك لها و نجیبك فی الحواس حتی یتقرر عندك انها لا تعرف من سائر الاشیاء الا الظاهر مما هو دون الرب الاعلی سبحانه و تعالی، فاما ما یخفی و لا یظهر فلست تعرفه و ذلك ان خالق الحواس جعل لها قلبا احتج به علی العباد و جعل للحواس الدلالات علی الظاهر الذی یستدل بها علی الخالق سبحانه فنظرت العین الی خلق متصل بعضه ببعض فدلت القلب علی ما عاینت و تفكر القلب حین دلته العین علی ما عاینت من ملكوت السماوات و ارتفاعها فی الهواء بغیر عمد بری و لا دعائم تمسكها لا تؤخر مرة فتنكشط و لا تقدم اخری فتزول و لا تهبط مرة فتدنو و لا ترتفع اجری فتنأی و لا تتغیر لطول الامد و لا تخلق لاختلاف اللیالی و الایام و لا تتداعی منها ناحیة و لا ینهار منها طرف مع ما عاینت من النجوم الجاریة السبعة المختلفة بسیرها لدوران الفلك و تنقلها فی البروج یوما بعد یوم و شهرا بعد شهر و سنة بعد سنة منها السریع و منها البطیی ء و منها المعتدل السیر، ثم رجوعها و استقامتها و اخذها عرضا و طولا و خنوسها عن الشمس و هی مشرقة و ظهورها اذا غربت و جری الشمس و القمر فی البروج دائبین لا یتغیران فی أزمنتهما و اوقاتهما یعرف



[ صفحه 412]



ذلك من یعرف بحساب موضوع و أمر معلوم بحكمة یعرف ذووالالباب انها لیست من حكمة الانس و لا تفتیش الاوهام و لا تقلیب التفكر فعرف القلب حین دلته العین علی ما عاینت ان لذلك الخلق و التدبیر و الامر العجیب صانعا یمسك السماء المنطبقة ان تهوی الی الارض و ان الذی جعل الشمس و القمر و النجوم فیها خالق السماء، ثم نظرت العین الی ما استقلها من الارض فدلت القلب علی ما عاینت فعرف القلب بعقله ان ممسك الارض الممهدة ان تزول او تهوی فی الهواء و هو یری الریشة ترمی فتسقط مكانها و هی فی الخفه علی ما هی علیه هو الذی یمسك السماء التی فوقها و انه لولا ذلك لخسفت بما علیها من ثقلها و ثقل الجبال و الانام و الاشجار و البحور و الرمال فعرف القلب بدلالة العین.

ان مدبر الارض هو مدبر السماء، ثم سمعت الاذن صوت الریاح الشدیدة العاصفة و اللینة الطیبة و عاینت العین ما تقلع من عظام الشجر و تهدم من وثیق البنیان و تسفی من ثقال الرمال تخلی منها ناحیة و تصبها فی اخری بلا سائق تبصره العین و لا تسمعه الاذن و لا یدرك بشی ء من الحواس، و لیست مجسدة تلمس و لا محدودة تعاین فلم تزد العین و الاذن و سائر الحواس علی ان دلت القلب ان لها صانعا و ذلك ان القلب یفكر بالعقل الذی فیه فیعرف ان الریح لم تتحرك من تلقائها و انها لو كانت هی المتحركة لم تكفف عن التحرك و لم تهدم طائفة و تعفی اخری و لم تقلع شجرة و تدع أخری الی جنبها و لم تصب ارضا و تنصرف عن اخری فلما تفكر القلب فی امر الریح علم ان لها محركا هو الذی یسوقها حیث یشاء و یسكنها اذا شاء و یصیب بها من یشاء و یصرفها عمن یشاء فلما نظر القلب الی ذلك وجدها متصلة بالسماء و ما فیها من الآیات فعرف ان المدبر القادر علی ان یمسك الارض و السماء هو خالق الریح و محركها اذا شاء و ممسكها كیف شاء و مسلطها علی من یشاء، و كذلك دلت العین و الاذن القلب علی هذه الزلزلة و عرف ذلك بغیرهما من حواسه حین حركته فلما دل الحواس علی تحریك هذا الخلق العظیم من الارض فی غلظها و ثقلها و طولها و عرضها و ما علیها من ثقل الجبال و المیاه و الانام و غیر ذلك و انما یتحرك فی ناحیة و لم یتحرك فی اخری و هی ملتحمة جسدا وحدا و خلقا متصلا بلا فصل و لا وصل تهدم ناحیة و تخسف بها و نسلم اخری فعندها عرف القلب ان محرك ما حرك منها هو ممسك ما امسك منها و هو محرك الریح و ممسكها و هو مدبر السماء و الارض و ما بینهما و ان الارض لو كانت هی المزلزلة لنفسها لما تزلزلت و لما تحركت و لكنه الذی دبرها و خلقها حرك



[ صفحه 413]



منها ما شاء، نظرت العین الی العظیم من الآیات من السحاب المسخر بین السماء و الارض بمنزلة الدخان لا جسد له یلمس بشی ء من الارض و الجبال یتخلل الشجرة فلا یحرك منها شیئا لا یصهر منها غصنا و لا یعلق منها بشی ء یعترض الركبان فیحول بعضهم من بعض من ظلمته و كثافته و یحتمل من ثقل الماء و كثرته ما لا یقدر علی صفته مع ما فیه من الصواعق الصادعة و البروق اللامعة و الرعد و الثلج و البرد و الجلید مالا تبلغ الاوهام صفته و لا تهتدی القلوب الی كنه عجائبه فیخرج مستقلا فی الهواء یجتمع بعد تفرقه و یلتحم بعد تزایله تفرقه الریاح من الجهات كلها الی حیث تسوقه باذن الله تعالی و بها یسفل مرة و یعلو اخری ممسك بما فیه من الماء الكثیر الذی اذا ازجاه صارت منه البحور یمر علی الاراضی الكثیرة و البلدان المتنائیة لا تنقص منه نقطة حتی ینهی الی ما یحصی من الفراسخ فیرسل ما فیه قطرة بعد قطرة و سیلا بعد سیل متتابع علی رسله حتی ینقع البر و تمتلی الفجاج و تعتلی الاودیة بالسیول كامثال الجبال غاصة بسیولها مصمخة الآذان لدویها و هدیرها فتحی بها الارض المیتة فتصبح مخضرة بعد ان كانت مغبرة و معشبة بعد ان كانت مجدبة قد كسیت ألوانا من نبات عشب ناظرة زاهرة مزینة معاشا للناس و الانعام فاذا افرغ الغمام ماءه و اقلع و تفرق و ذهب حیث لا یعاین و لا یدری این تواری فأدت العین ذلك الی القلب فعرف القلب ان ذلك السحاب لو كان بغیر مدبر و كان ما وصفت من تلقاء نفسه ما احتمل نصف ذلك من الثقل من الماء و ان كان هو الذی یرسله لما احتمله الفی فرسخ او اكثر و لا درسله فیما هو أقرب من ذلك و لما ارسله قطرة بعد قطرة بل كان یرسله ارسالا فكان یهدم البنیان و یفسد النبات و لما جاز الی بلد و ترك آخر دونه فعرف القلب بالاعلام المنیرة الواضحة ان مدبر الامور واحد و انه لو كان اثنین او ثلاثة لكان فی طول هذه الازمنة و الابد و الدهر اختلاف فی التدبیر و تناقض فی الامور و لتأخر بعض و تقدم بعض و لكان تسفل بعض ما قد علا و لعلا بعض ما قد سفل و لطلع شی ء و غاب فتأخر عن وقته او تقدم ما قبله فعرف القلب بذلك أن مدبر الاشیاء و ما غاب منها و ما ظهر هو الله الاول خالق السماء و ممسكها و فارش الارض و داحیها و صانع ما بین ذلك مما عددنا و غیر ذلك مما لم یحص و كذلك عاینت العین اختلاف اللیل و النهار دائبین حدیدین لا یبلیان فی طول كرهما و لا یتغیر ان لكثرة اختلافهما و لا تنقصان عن حالهما النهار فی نوره و ضیائه، و اللیل فی سواده و ظلمته یلج احدهما فی الآخر حتی ینتهی كل واحد منهما الی غایة محدودة معروفة فی الطول و القصر علی مرتبة واحدة



[ صفحه 414]



و مجری واحد مع سكون من یسكن فی اللیل و انتشار من ینتشر فی النهار، و انتشار من ینتشر فی اللیل و سكون من یسكن فی النهار ثم الحر و البرد و حلول احدهما بعقب الآخر حتی تكون الحر بردا و البرد حرا فی وقته و أبانه فكل هذا مما یستدل به القلب علی الرب سبحانه، فعرف القلب بعقله ان من دبر هذه الاشیاء هو الواحد العزیز الحكیم الذی لم یزل و لا یزال و انه لو كان فی السماوات و الارضین آلهة معه سبحانه لذهب كل أله بما خلق و لعلا بعضهم علی بعض و لأفسد كل واحد منهم علی صاحبه، و كذلك سمعت الاذن ما انزل المدبر من الكتب تصدیقا لما ادركته القلوب بعقولها بتوفیق الله أیاها و عونه لما اذا ارادت ما عنده انه الاول لا شبه له و لا مثل له و لا ضد له و لا تحیط به العیون و لا تدركه الاوهام كیف هو لانه لا تلأیف له و انما الكیف للمكیف المخلوق المحدود المحدث غیر انا نوقن انه معروف بخلقه موجود بصنعه فتبارك الله و تعالی اسمه لا شریك له فعرف القلب بعقله انه لو كان معه شریك كان ضعیفا ناقصا ولو كان ناقصا ما خلق الانسان و لا أختلف التدبیر و انتقضت الامور مع التقصیر الذی یوصف به الارباب المتفردون و الشركاء و المتعانتون.

فقال فقد اتیتنی من ابواب لطیفة ما لم یأتنی به احد غیرك الا انه لا یمنعنی من ترك ما فی یدی الا الایضاح و الحجة القویة بما وصفت لی و فسرت. قلت اما اذا حجبت عن الجواب و اختلف منك المقال فسیأتیك من الدلالة من قبل نفسك خاصة ما یستبین لك ان الحواس لا تعرف شیئا الا بالقلب فهل رأیت فی المنام انك تأكل و تشرب حتی وصلت لذة ذلك الی قلبك؟ قال نعم.

قلت فهل رأیت انك تضحك و تبكی و تجول فی البلدان التی لم ترها و التی قد رأیتها حتی تعلم معالم ما رأیت منها؟ قال نعم ما لا احص. قلت هل رأیت احدا من اقاربك من اخ او اب او ذی رحم قد مات قبل ذلك حتی تعلمه و تعرفه كمعرفتك ایاه قبل ان یموت؟ قال اكثر من الكثیر.

قلت فاخبرنی ای حواسك ادرك هذه الاشیاء فی منامك حتی دلت قلبك علی معاینة الموتی و كلامهم و اكل طعامهم و الجولان فی البلدان و الضحك و البكاء و غیر ذلك؟ قال ما اقدر ان اقول لك ای حواسی ادرك ذلك او شیئا منه و كیف تدرك و هی بمنزلة المیت لا تسمع و لا تبصر؟



[ صفحه 415]



قلت فاخبرنی حیث استقیضت الست قد ذكرت الذی رأیت فی منامك تحفظه و تقصه بعد یقضتك علی اخوانك لا تنسی منه حرفا؟

قال انه كما تقول و ربما رأیت الشی ء فی منامی ثم لا امسی حتی اراه یقضتی كما رأیته فی منامی. قلت فاخبرنی ای حواسك قررت علم ذلك حتی فی قلبك ذكرته بعد ما استیقنت؟ قال ان هذا الامر ما دخلت فیه الحواس. قلت افلیس ینبغی لك ان تعلم حیث بطلت الحواس فی هذا؟ ان الذی عاین تلك الاشیاء و حفظها فی منامك قلبك الذی جعل الله فیه العقل الذی احتج به علی العباد. قال ان الذی رأیت منامی لیس بشی ء انما هو بمنزلة السراب الذی یعاینه صاحبه و ینظر الیه و لا یشك فیه انه ماء فاذا انتهی الی مكانه لم یجده شیئا فما رأیت فی منامی فبهذه المنزلة.

قلت كیف شبهت السراب بما رأیت فی منامك من اكلك الطعام الحلو و الحامض و ما رأیت من الفرح و الحزن قال لان السراب حیث انتهیت الی موضعه صار لا شی ء كذلك صار ما رأیت فی منامی حین انتبهت. قلت فاخبرنی ان اتیتك بامر وجدت لذته فی منامك و خفق لذلك قلبك الست تعلم ان الامر علی ما وصفت لك؟ قال بلی قلت فاخبرنی هل احتملت قط حتی قضیت فی امرأة نهمتك عرفتها ام لم تعرفها قال بلی ما لا احصیه. قلت الست وجدت لذلك لذة علی قدر لذتك فی یقضتك فتنتبه و قد انزلت الشهوة حتی تخرج منك بقدر ما یخرج منك فی الیقظة؟ هذا كسر لحجتك فی السراب. قال ما یری المحتلم فی منامه شیئا الا ما كانت حواسه دلت علیه فی الیقظة. قلت مازدت علی ان قویت مقالتی و زعمت ان القلب یعقل اشیاء و یعرفها بعد ذهاب الحواس و موتها فكیف انكرت ان القلب یعرف الاشیاء و هو یقظان مجتمعة له حواسه و ما الذی عرفه ایاه بعد موت الحواس و هو لا یسمع و لا یبصر؟ و لكنت حقیقا ان لا تنكر له المعرفة و حواسه حیة مجتمعة اذا اقررت انه ینظر الی الامرأة بعد ذهاب حواسه حتی نكحها و اصاب لذته منها فینبغی لمن یعقل حیث وصف القلب بما وصفه به من معرفته بالاشیاء و الحواس ذاهبة ان یعرف ان القلب مدبر الحواس و مالكها و رائسها و القاضی علیها فأنه ما جهل الانسان شی ء من كما یجهل ان الید لا تقدر علی العین ان تقلعها و لا علی اللسان ان تقطعه و انه لیس یقدر شی ء من الحواس ان یفعل بشی ء من الجسد شیئا بغیر اذن القلب و دلالته و تدبیره لان الله تبارك و تعالی جعل القلب مدبرا للجسد و به یسمع و به یبصر و هو القاضی و الامیر علیه لا یتقدم الجسد أن هو تأخر و لا یتأخر أن هو تقدم و به سمعت الحواس و أبصرت ان أمرها أتمرت و ان نهاها انتهت



[ صفحه 416]



و به ینزل الفرح و الحزن و به ینزل الالم أن فسد شی ء من الحواس بقی علی حاله و ان فسد القلب ذهب جمیعا حتی لا یسمع و لا یبصر.

قال لقد كنت اضنك لا تتخلص من هذه المسألة و قد جئت بشی ء لا اقدر علی رده قلت و انا اعطیتك تصدیق ما انبأتك به و ما رأیت فی منامك فی مجلسك الساعة. قال افعل فانی قد تحیرت فی هذه المسألة. قلت اخبرنی هل تحدث نفسك من تجارة او صناعة او بناء او تقدیر شی ء و تأمل به اذا احكمت تقدیره فی ضنك؟ قال نعم قلت فهل اشرت قلبك فی ذلك الفكر شیئا من حواسك قال.

قلت افلا تعلم ان الذی اخبرك به قلبك حق؟ قال الیقین هو فزدنی ما یذهب الشك عنی و تزیل الشبهة من قلبی. قلت اخبرنی هل یعلم أهل بلادك علم النجوم؟ قال انك لغافل عن علم اهل بلادی بالنجوم فلیس احد اعلم بذلك منهم قلت أخبرنی كیف وقع علمهم بالنجوم و هی مما لا یدرك بالحواس و لا بالفكر قال حساب وضعته الحكماء و توارثته الناس فاذا سألت الرجل منهم عن شی ء قاس الشمس و نظر فی منازل الشمس و القمر و ما للطالع من النحوس و ما للباطن من السعود ثم یحسب و لا یخطی ء و یحمل الیه المولود فیحسب له و یخبر بكل علامة فیه و ما هو مصیبه الی یوم یموت، قلت كیف دخل الحساب من موالید الناس؟ قال لان جمیع الناس انما یولدون بهذه النجوم و لولا ذلك لم یستقم هذا الحساب فمن ثم لا یخطی ء اذا علم الساعة و الیوم و الشهر و السنة التی یولد فیها المولود.

قلت لقد توصفت علما عجیبا لیس فی علم الدنیا ادق منه و لا اعظم ان كان حقا كما ذكرت یعرف به المولود الصبی و ما فیه من العلامات و منتهی اجله و ما یصیبه فی حیاته او لیس هذا حساب یولد به جمیع اهل الدنیا من كان من الناس؟ قال لا اشك فیه قلت فتعال ننطر بعقولنا كیف علم الناس هذا العلم و هل یستقیم ان یكون لبعض الناس اذا كان جمیع الناس یولدون بهذه النجوم و كیف عرفها بسعودها و نحوسها و ساعاتها و اوقاتها و دقائقها و درجاتها و بطیئها و سریعها و مواضها من السماء و مواضعها تحت الارض و دلالتها علی غامض هذه الاشیاء التی وصفت فی السماء و ما تحت الارض فقد عرفت ان بعض هذه البروج فی السماء و بعضها تحت الارض و كذلك النجوم السبعة منها تحت الارض و منها فی السماء فما یقبل عقلی ان مخلوقا من اهل الارض قدر علی هذا. قال و ما انكرت من هذا



[ صفحه 417]



قلت انك زعمت ان جمیع اهل الارض انما یتوالدون بهذه النجوم فأری الحكیم الذی وضع هذا الحساب بزعمك من بعض اهل الدنیا و لاشك ان كنت صادقا انه ولد ببعض هذه النجوم و الساعات و الحساب الذی كان قبله الا ان تزعم ان ذلك الحكیم لم یولد بهذه النجوم كما ولد سائر الناس قال و هل هذا الحكیم الا كسائر الناس قلت افلیس ینبغی ان یدلك عقلك علی انها قد خلقت قبل هذا الحكیم الذی زعمت انه وضع هذا الحساب و قد زعمت أنه ولد ببعض هذه النجوم قال بلی.

قلت فكیف اهتدی لوضع هذه النجوم و هل هذا العلم الا من معلم كان قبلها و هو الذی اسس هذا الحساب الذی زعمت انه اساس المولود و الاساس اقدم من المولود و الحكیم الذی زعمت انه وضع هذا انما یتبع أمر معلم هو اقدم منه و هو الذی خلقه مولودا ببعض هذه النجوم، و هو الذی اسس هذه البروج التی ولد بها غیره من الناس، فواضع الاساس ینبغی ان یكون اقدم منها. هب ان هذا الحكیم عمر منذ كانت الدنیا عشرة اضعاف هل كان نظره فی هذه النجوم الا كنظرك الیها معلقة فی السماء او تراه كان قادرا علی الدنو منها و هی فی السماء حتی یعرف منازلها و مجاریها و نحوسها و سعودها و دقائقها و بأیتها تكسف الشمس و القمر و بأیتها یولد كل مولود و ایها السعد و ایها النحس و ایها البطی ء و ایها السریع؟ ثم یعرف بعد ذلك سعود ساعات النهار و نحوسها و ایها السعد و ایها النحس و كم ساعة یمكث كل نجم منها تحت الارض و فی ای ساعة تغیب و ای ساعة تطلع و كم ساعة یمكث طالعا و فی ای ساعة تغیب و كم استقام لرجل حكیم كما زعمت من اهل الدنیا ان یعلم علم السماء مما لا تدرك بالحواس و لا یقع علیه الفكر و لا یخطر علی الاوهام و كیف اهتدی ان یقیس الشمس حتی یعرف فی ای برج و فی ای برج القمر و فی ای برج من السماء هذه السبعة السعود و النحوس و ما الطالع منها و ما الباطن و هی معلقة فی السماء و هو من اهل الارض لا یراها اذا توارت بضوء الشمس.

الا ان تزعم ان هذا الحكیم الذی وضع هذا العلم قدرتی الی السماء و انا اشهد ان هذا العالم لم یقدر علی هذا العلم الا بمن فی السماء لان هذا لیس من علم اهل الارض قال ما بلغنی ان احدا من اهل الارض رقی فی السماء. قلت فلعل هذا الحكیم فعل ذلك و لم یبلغك. قال ولو بلغنی كنت مصدقا، قلت فانا اقول قولك هبه رقی الی السماء هل كان له بدمن ان یجری مع كل برج من هذه البروج و نحم من هذه النجوم من



[ صفحه 418]



حیث یطلع الی حیث یغیب ثم یعود الی الاخر حتی یفعل مثل ذلك حتی یأتی علی آخرها فان منها ما یقطع الماء فی ثلاثین سنة و منها ما یقطع دون ذلك. و هل كان له بد من ان یجول فی اقطار السماء حتی یعرف مطالع السعود منها و النحوس و البطی ء و السریع حتی یحصی ذلك، اوهبه قدر علی ذلك حتی فرغ مما فی السماء هل كان یستقیم له حساب ما فی السماء حتی یحكم حساب ما فی الارض و ما تحتها و ان یعرف ذلك مثل ما قد عاین فی السماء لان مجاریها تحت الارض علی غیر مجاریها فی السماء فلم یكن یقدر علی احكام حسابها و دقایقها و ساعاتها الا بمعرفة ما غاب عنه تحت الارض منها لانه ینبغی ان یعرف ای ساعة من اللیل یطلع طالعها و كم یمكث تح الارض و ای ساعة من النهار یغیب غائبها لانه لا یعاینها و لا ما طلع منها و لا ما غاب و لابد من ان یكون العالم بها واحدا و الالم ینتفع بالحساب الا ان تزعم ان ذلك الحكیم قد دخل فی ظلمات الارضین و البحار فسار مع النجوم و الشمس و القمر فی مجاریها علی قدر ما سار فی السماء حتی علم الغیب منها و علم ما تحت الارض علی قدر ما عاین منها فی السماء قال و هل رأیتنی اجبتك الی ان احدا من اهل الارض رقی الی السماء و قدر علی ذلك حتی اقول انه دخل فی ظلمات الارضین و البحور.

قلت فكیف وقع هذا العلم الذی زعمت ان الحكماء من الناس وضعوه و أن الناس كلهم مولودون به؟ و كیف عرفوا ذلك الحساب و هو اقدم منهم؟ قال ما اجد یستقیم أن اقول ان احدا من اهل الارض وضع علم هذه النجوم المعلقة فی السماء. قلت فلابد لك ان تقول انما علمه حكیم علیم بامر السماء و الارض و مدبرهما. قال ان قلت هذا فقد أقررت لك بالاهك الذی تزعم انه فی السماء. قلت اما انت فقد اعطیتنی ان حساب هذه النجوم حق و ان جمیع الناس ولدوا بها قال الشك فی غیر هذا قلت و كذلك أعطیتنی ان أحدا من أهل الارض لم یقدر علی ان یغیب مع هذه النجوم و الشمس و القمر فی المغرب حتی یعرف مجاریها و یطلع معها الی المشرق قال الطلوع الی السماء دون هذا. قلت فلا اراك تجدبدا من ان تزعم ان المعلم لهذا العلم من السماء قال لان قلت ان لیس لهذا الحساب معلم لقد قلت اذا غیر الحق و لان زعمت ان احدا من اهل الارض علم ما فی السماء و ما تحت الارض لقد ابطلت لان اهل الارض لا یقدرون علی علم ما وصفت لك من حال هذه النجوم و البروج بالمعاینة و الدنو منها فلا یقدرون علیه لان علم اهل الدنیا لا یكون عندنا الا بالحواس و ما یدریك علم هذه النجوم التی وصفت بالحواس لانها معلقة فی السماء و ما زادت الحواس



[ صفحه 419]



علی النظر الیها حیث تطلع و حیث تغیب، فاما حسابها و دقائقها و نحوسها و سعودها و بطیئها و سریعها و خنوسها و رجوعها فانی تدرك بالحواس او یهتدی الیها بالقیاس قلت فاخبرنی لو كنت متعلما مستوصفا لهذا الحساب من اهل الارض أحب الیك ان تستوصفه و تتعلمه أم من اهل السماء؟ قال من اهل السماء اذ كانت النجوم معلقة فیها حیث لا یعلمها اهل الارض قلت فأفهم و ادق النظر و ناصح نفسك ألست تعلم انه حیث كان جمیع اهل الدنیا انما یولدون بهذه النجوم علی ما وصفت فی النجوس و السعود أنهن كن قبل الناس. قال ما امتنع ان اقول هذا. قلت افلیس ینبغی لك ان تعلم ان قولك ان الناس لم یزالوا و لا یزالون قد انكر علیك حیث كانت النجوم قبل الناس حدث بعدها و لئن كان النجوم خلقت قبل الناس ما تجدبدا من ان تزعم ان الارض خلقت قبلهم. قال و لم نزعم ان الارض خلقت قبلهم؟ قلت الست تعلم انها لولم تكن الارض جعله الله لخلقه فراشا و مهادا ما استقام الناس و لا غیرهم من الانام و لا قدروا ان یكونوا فی الهواء الا ان یكونوا لهم اجنحة. قال و ماذا یغنی عنهم الاجنحة اذا لم تكن لهم معیشة قلت ففی شك أنت من ان الناس حدث بعد الارض و البروج؟ قال لا و لكن علی الیقین من ذلك. قلت أتیك ایضا بما تبصره. قال ذلك انفی للشك عنی. قلت الست تعلم ان الذی تدور علیه هذه النجوم و الشمس و القمر هذا الفلك؟ قال بلی. قلت افلیس قد كان اساسا لهذه النجوم؟ قال بلی. قلت فما اری هذه النجوم التی زعمت انها موالید الناس الا و قد وضعت بعد هذا الفلك لانه به تدور البروج و تسفل مرة و تصعد اخری... قال قد جئت بامر واضح لا یشكل علی ذی عقل ان الفلك الذی تدور به النجوم هو اساسها الذی وضع لها لانها انما جرت به قلت اقررت ان خالق النجوم التی یولد بها الناس سعودهم و نحوسهم هو خالق الارض لانه لولم یكن خلقها لم یكن ذرء. قال ما اجد بدا من اجابتك الی ذلك. قلت افلیس ینبغی لك ان یدلك عقلك علی انه لا یقدر علی خلق السماء الا الذی خلق الارض و الذرء و الشمس و القمر و النجوم و انه لولا السماء. و ما فیها لهلك ذرء الارض.

قال اشهد ان الخالق واحد من غیر شك لانك قد أتیتنی بحجة ظهرت لعقلی و انقطعت بها حجتی و ما اری یستقیم ان واضع هذا الحساب و معلم هذه النجوم واحد من اهل الارض لانها فی السماء و لا مع ذلك یعرف ما تحت الارض منها الا معلم ما فی السماء منها و لكن لست ادری كیف سقط اهل الارض علی هذا العلم الذی هو فی السماء حتی اتفق حسابهم علی



[ صفحه 420]



ما رأیت من الدقة و الصواب فانی لولم اعرف من هذا الحساب ما اعرفه لانكرته و لاخبرتك أنه باطل فی بدی ء الامر فكان اهون علی. قلت فاعطنی موثقا أن انا اعطیتك من قبل هذه الاهلیلجة التی فی یدك و ما تدعی من الطب الذی هو صناعتك و صناعة آبائك حتی یتصل الی الاهلیلجة و ما یشبهها من الادویة بالسماء لتذعنن بالحق و لتنصفن من نفسك؟ قال ذلك لك. قلت هل كان الناس علی حال و هم لا یعرفون الطب و منافعه من هذه الاهلیلجة و اشباهها قال نعم. قلت فمن این اهتدوا له؟

قال بالتجربة و طول المقایسة. قلت فكیف خطر علی اوهامهم حتی هموا بتجربته و كیف ظنوا انه مصلحة للاجساد و هم لا یرون فیه الا المضرة؟ او كیف عزموا علی طلب ما لا یعرفون مما لا تدلهم علیه الحواس؟ قال بالتجارب. قلت اخبرنی عن واضع هذا الطب و اصف هذه العقاقیر المتفرقة بین المشرق و المغرب هل كان بدمن ان یكون الذی وضع ذلك و دل علی هذه العقاقیر رجل حكیم من بعض اهل هذه البلدان؟

قال لابد ان یكون كذلك و ان یكون رجلا حكیما وضع ذلك و جمع علیه الحكماء فنظروا فی ذلك و فكروا فیه بعقولهم. قلت كأنك ترید الانصاف من نفسك و الوفاء، بما اعطیت من میثاقك فاعلمنی كیف عرف الحكیم ذلك؟ وهبه قد عرف بما فی بلاده من الدواء و الزعفران الذی بارض فارس اتراه اتبع جمیع نبات الارض فذاقه شجرة شجرة حتی ظهر علی جمیع ذلك؟ و هل یدلك عقلك علی ان رجالا حكماء قدروا علی ان یتبعوا جمیع بلاد فارس و نباتها شجرة شجرة حتی عرفوا ذلك بحواسهم و ظهروا علی تلك الشجرة التی یكون فیها خلط بعض هذه الادویة التی لم تدرك حواسهم شیئا منها؟ وهبه اصاب تلك الشجرة بعد بحثه عنها و تتبعه جمیع شجرة فارس و نباتها كیف عرف انه لا یكون دواء حتی یضم الیه الاهلیلج من الهند و المصطكی من الروم و المسك من التبت و الدارصینی من الصین و خصی بیداستر من الترك و الافیون من مصر و الصبر من الیمن و البورق من الارمنیة و غیر ذلك من اخلاط الادویة التی تكون فی اطراف الارض و كیف عرف ان بعض تلك الادویة و هی عقاقیر مختلفه یكون المنفعة باجتماعها و لا تكون المنفعة فی الحالات بغیر اجتماع ام كیف اهتدی لمنابت هذه الادویة و هی الوان مختلفة و عقاقیر متباینة فی بلدان متفرقه فمنها عروق و منها لحاء و منها ورق و منها ثمر و منها عصیر و منها مایع و منها صمغ و منها ما یعصر و یطبخ و منها ما لا یعصر و لا یطبخ مما سمی بلغات شتی لا یصلح بعضها الا ببعض و لا یصیر دواء الا باجتماعها و منها مرایر السباع



[ صفحه 421]



و الدواب البریة و البحریة و اهل هذه البلدان مع ذلك متعادون مختلفون متفرقون باللغات متغالبون بالمناصبة و متحاربون بالقتل و السبی افتری ذلك الحكیم اتبع هذه البلدان حتی عرف كل لغة و طاف كل وجه و تتبع هذه العقاقیر مشرقا و مغربا آمنا صحیحا لا یخاف و لا یمرض سلیما لا یعطب حیا لا یموت هادیا لا یضل قاصدا لا یجور حافظا لا ینسی نشیطا لایمل حتی عرف وقت ازمنتها و مواضع منابتها مع اختلاطها و اختلاف صفاتها و تباین الوانها و تفرق أسمائها ثم وضع مثالها علی شبهها و صفتها ثم وصف كل شجرة بنباتها و ورقها و ثمرها و ریحها و طعمها ام هل كان لهذا الحكیم بدمن ان یتبع جمیع اشجار الدنیا و بقولها و عروقها شجرة شجرة و ورقة ورقة شیئا شیئا فهبه وقع علی الشجرة التی اراد فكیف دلته حواسه علی انها تصلح لدواء و الشجر مختلف منه الحلو و الحامض و المر و المالح و ان قلت یستوصف فی هذه البلدان و یعمل بالسؤال فانی یسأل عما لم یعاین و لم یدركه بحواسه ام كیف یهتدی الی من یسأله عن تلك الشجرة و هو یكلمه بغیر لسانه و بغیر لغته و الاشیاء كثیرة فهبه فعل كیف عرف منافعها و مضارها و تسكینها و تهییجها و باردها و حارها و لینها و یابسها.

فلئن قلت بالظن ان ذلك مما لا یدرك و لا یعرف بالطبایع و الحواس و لان قلت بالتجربة و الشرب لقد كان ینبغی له یموت فی اول ما شرب و جرب تلك الادویة بجهالته بها و قلة معرفته بمنافعها و مضارها و اكثرها السم القاتل و لان قلت بل طاف فی كل بلد و اقام فی كل امة یتعلم لغاتهم و یجرب بهم ادویتهم تقتل الاول فالاول منهم ما كان لتبلغ معرفة الدواء الواحد الابعد قتل قوم كثیر فما كان اهل تلك البلدان الذین قتل منهم من قتل بتجربته بالذین ینقادون له بالقتل و لا یدعونه ان یجاورهم، و هبهم تركوه و سلموا لامره و لم ینهوه كیف قوی علی خلطها و عرف قدرها و وزنها و اخذ مثاقیلها و قرط قراریطها و هبه تتبع هذا كله و اكثره سم قاتل ان زید علی قدرها قتل و ان نقص عن قدرها بطل، و هبه تتبع هذا كله و جال مشارق الارض و مغاربها فطال عمره فیها بتتبعه شجرة شجرة و بقعة بقعة كیف كان له تتبع مالم یدخل فی ذلك من مرارة الطیر و السباع و دواب البحر هل كان بدحیث زعمت ان ذلك الحكیم تتبع عقاقیر الدنیا شجرة شجرة و ثمرة ثمرة حتی جمعها كلها فمنها ما لا یصلح و لا یكون دواءا الا بالمرار هل كان بدمن ان یتبع جمیع طیر الدنیا و سباعها و دوابها دابة دابة و طائرا طائرا یقتلها و یجرب مرارتها كما بحث عن تلك العقاقیر علی ما زعمت بالتجارب ولو كان ذلك فكیف بقیت الدواب و تناسلت و لیست بمنزلة الشجرة اذا قطعت شجرة نبتت اخری، وهبه



[ صفحه 422]



اتی علی طیر الدنیا كیف یصنع بما فی البحرین من الدواب التی كان ینبغی ان یتبعها بحرا بحرا دابة دابة احاط به كما احاط بجمیع عقاقیر الدنیا التی بحث عنها حتی عرفها و طلب ذلك فی غمرات الماء فانك مهما جهلت شیئا من هذا فانك لا تجهل ان دواب البحر كلها تحت الماء فهل یدل العقل و الحواس علی ان هذا یدرك بالبحث و التجارب؟

قال لقد ضیقت علی المذاهب فما ادری ما اجیبك به قلت فانی آتیك بغیر ذلك مما هو اوضح و ابین مما اقتصصت علیك الست تعلم ان هذه العقاقیر التی فیها الادویة و المرار من الطیر و السباع لا تكون دواء الابعد الاجتماع؟ قال هو كذلك. قلت فاخبرنی كیف حواس هذا الحكیم وضع هذه الادویة مثاقیلها و قراریطها فانك من اعلم الناس بذلك لان صناعتك الطب و انت تدخل فی الدواء الواحد من اللون الواحد زنة اربعمائة مثقال و من الاخر مثاقیل و قراریط فما فوق ذلك و دونه حتی تجیی ء بقدر واحد معلوم اذا سقیت منه صاحب البطنة بمقدار عقد بطنه و ان سقیت صاحب القولنج اكثر من ذلك استطلق بطنه و الآن كیف أدركت حواسه علی هذا ام كیف عرفت بحواسه ان الذی یسقی لوجع الرأس لا ینجدر الی الرجلین و الانحدار اهون الیه من الصعود و الذی یسقی لوجع القدمین لا یصعد الی الرأس و هو الی الرأس عند السلوك اقرب منه و كذلك كل دواء یسقی صاحبه لكل عضو لا یأخذ الا طریقه فی العروق التی تسقی له و كل ذلك یصیر الی المعدة و منها یتفرق ام كیف لا یسفل منه ما صعد و لا یصعد منه ما انحدر؟ ام كیف ادركت الحواس هذا حتی علم ان الذی ینبغی للاذن لا ینفع العین و ما ینتفع به للعین لا یغنی من وجع الاذن و كذلك جمیع الاعضاء یصیر كل داء منها الی ذلك الدواء الذی ینبغی له بعینه فكیف ادركت العقول و الحكمة و الحواس هذا و هو غائب فی الجوف و العرق فی اللحم و فوقه الجلد لا یدرك بسمع و لا ببصر و لا بشم و لا بلمس و لا بذوق؟ قال لقد جئت بما اعرفه الا اننا نقول أن الحكیم الذی وضع هذه الادویة و اختلاطها كان اذا سقی احدا شیئا من هذه الادویة فمات شق بطنه و تتبع عروقه و نظر مجاری تلك الادویة و أتی المواضع التی تلك الادویة فیها. قلت فاخبرنی الست تعلم ان الدواء كله اذا وضع فی العروق اختلط بالدم فصار شیئا واحدا؟ قال بلی. قلت اما تعلم ان الانسان اذا خرجت نفسه برددمه و جمد؟ قال بلی - قلت فكیف عرف ذلك الحكیم دواؤه الذی سقاه للمریض فعد ما صار غلیظا عبیطا لیس بامشاج یستدل علیه بلون فیه غیر لون الدم؟ قال لقد حملتنی علی مطیة صعبة ما حملت علی مثلها قط و لقد جئت باشیاء لا اقدر



[ صفحه 423]



علی ردها. قلت فاخبرنی من این علم العباد ما وصفت من هذه الادویة التی فیها المنافع لهم حتی خلطوها و تنبعوا عقاقیرها فی هذه الادویة التی فیها المنافع لم حتی خلطوها و تتبعوا عقاقیرها فی هذه البلدان المتفرقة و عرفوا مواضعها و معادنها فی الاماكن المتباینة و ما یصلح من عروقها و زنتها من مثاقیلها و قراریطها و ما یدخلها من الحجارة و مرار السباع و غیر ذلك؟ قال قد اعییت عن اجابتك لغموض مسائلك و ألجائك ایای الی امر لا یدرك علمه بالحواس و لا بالتشبیه و القیاس و لابد ان یكون لوضع هذه الادویة واضع لانها لم تصنع هی أنفسها و لا أجتمعت حتی جمعها غیرها بعد معرفته ایاها قال فاخبرنی كیف علم العباد هذه الادویة التی فیها المنافع حتی خلطوها و طلبوا عقاقیرها فی هذه البلدان المتفرقة؟ قلت انی ضارب لك مثلا و ناصب لك دلیلا تعرف به واضع هذه الادویة و الدال علی هذه العقاقیر المختلفة و بانی الجسد و واضع العروق التی یاخذ فیها الدواء الی الداء. قال فان قلت ذلك لم اجد بدا من الانقیاد الی ذلك. قلت فاخبرنی عن رجل انشأ حدیقة عظیمة و بنی علیها حایطا وثیقا ثم غرس فیها الاشجار و الاثمار و الریاحین و البقول و تعاهد سقیها و تربیتها و وقاها ما یضرها حتی لا یخفی علیه موضع كل صنف منها فاذا ادركت اشجارها و اینعت اثمارها و أهتزت بقولها ذهبت الیه و سألته ان یطعمك لونا من الثمار و البقول سمیته له اتراه كان قادرا علی ان ینطلق قاصدا مستمرا لا یرجع و لا یهوی الی شی ء به من الشجرة و البقول حتی یاتی الشجرة التی سألته ان یاتیك بثمرها و القبلة التی طلبتها حیث كانت من ادنی الحدیقة او اقصاه فیأتیك بها؟ قال نعم.

قلت افرأیت لو قال لك صاحب الحدیقة حیث سألته الثمرة ادخل الحدیقة فخذ حاجتك فانی لا اقدر علی ذلك هل كنت تقدر ان تنطلق قاصدا لا تاخذ یمینا و لا شمالا حتی تنتهی الی شجرة فتجنی منها؟ قال و كیف اقدر علی ذلك و لا علم لی فی ای مواضع الحدیقة هی؟ قلت افلیس تعلم انك لم تكن لتصیبها دون ان تهجم علیها بتأسف و جولان فی جمیع الحدیقة حتی تستدل علیها ببعض حواسك بعد ما تتصفح فیها من الشجر شجرة شجرة و ثمرة ثمرة حتی تسقط علی الشجرة الی تطلب ببعض حواسك ان تاتیها و ان لم ترها أنصرفت، قال و كیف اقدر علی ذلك و لم اعاین مغرسها حیث غرست و لا منبتها حیث نبتت و لا ثمرها حیث طلعت قلت فانه ینبغی لك أن یدلك عقلك حیث عجزت حواسك عن ادرك ذلك ان الذی غرس هذا البستان العظیم فیما بین المشرق و المغرب و غرس فیه هذه الاشجار



[ صفحه 424]



و البقول هو الذی دل الحكیم الذی زعمت انه وضع الطب علی هذه العقاقیر و مواضعها فی المشرق و المغرب و كذلك ینبغی لك ان تستدل بعقلك علی انه هو الذی سماها و سمی بلدتها و عرف مواضعها كمعرفة صاحب الحدیقة الذی سألته الثمرة و كذلك لا یستقیم و لا ینبغی ان یكون الغارس و الدال علیها الا الدال علی منافعها و مضارها و قراریطها و مثاقیلها.

قال ان هذا لكما تقول. قلت افرأیت لو كان خالق الجسد و ما فیه من العصب و اللحم و الامعاء و العروق التی تاخذ فیه الادویة الی الرأس و الی القدمین و الی ما سوی ذلك غیر خالق الحدیقة و غارس العقاقیر؟ هل كان یعرف زنتها و مثاقیلها و قراریطها و ما یصلح لكل داء منها و ما كان یأخذ فی كل عرق قال ذلك و یقدر علیه و هذا لا یدرك بالحواس و ما ینبغی ان یعرف هذا الا الذی غرس الحدیقة و عرف كل شجرة و بقلة و ما فیها من المنافع و المضار قلت افلیس كذلك ینبغی ان یكون الخالق واحدا لانه لوكان اثنین أحدهما خالق الدواء و الاخر خالق الجسد والداء لم یهتد غارس العقاقیر لایصال دوائه الی الداء الذی بالجسد مما لا علم له به و لا أهتدی خالق الجسد الی علم ما یصلح ذلك الداء من تلك العقاقیر فلما كان خالق الداء و الدواء و احد أمضی الدواء فی العروق التی برأ و صور الی الداء الذی عرف و وضع فعلم مزاجها من حرها و بردها و لینها و شدیدها و ما یدخل فی كل دواء منه من القراریط و المثاقیل و ما یصعد الی الرأس منها و ما یهبط الی القدمین منها و ما یتفرق منه فیما سوی ذلك.

قال لا اشك فی هذا لانه لو كان خالق الجسد غیر خالق العقاقیر لم یهتد واحد منها الی ما وصفت. قلت فان الذی دل الحكیم الذی وصفت انه اول من خلط هذه الادویة و دل علی عقاقیرها المتفرقة فیما بین المشرق و المغرب و وضع هذا الطب علی ما وصفت لك هو صاحب الحدیقة فیما بین المشرق و المغرب و هو بانی الجسد و هو دل الحكیم بوحی منه علی صفة كل شجرة و بلدها و ما یصلح منها من العروق و الثمار و الدهن و الورق و الخشب و اللحاء و كذلك دله علی اوزانها من مثاقیلها و قراریطها و ما یصلح لكل داء منها و كذلك هو خالق السباع و الطیر و الدواب التی فی مرارها المنافع مما یدخل فی تلك الادویة فانه لو كان غیر خالقها لم یدر ما ینتفع به من مرارها و ما یضر و ما یدخل منها فی العقاقیر فلما كان الخالق سبحانه واحدا دل علی ما فیه من المنافع منها فسماه بأسمه حتی عرف و ترك مالا منفعة فیه منها فمن ثم علم الحكیم أی السباع و الدواب و الطیر فیه المنافع و أیها لا منفعة فیه



[ صفحه 425]



و لولا ان خالق هذه الاشیاء دله علیها ما هتدی بها قال ان هذا لكما تقول و قد بطلت الحواس و التجارب عند هذه الصفات.

قلت اما اذا صحت نفسك فتعال ننظر بعقولنا و نستدل بحواسنا أهل كان یستقیم لخالق هذه الحدیقة و غارس هذه الاشجار و خالق هذه الدواب و الطیر و الناس الذی خلق هذه الاشیاء لمنافعهم ان یخلق هذا الخلق و یغرس هذا الغرس فی ارض غیره مما اذا شاء منعه ذلك. قال ما ینبغی ان تكون الارض التی خلقت فیها الحدیقة العظیمة و غرست فیها الاشجار الا لخالق هذا الخلق و ملك یده. قلت فقد اری الارض ایضا لصاحب الحدیقة لاتصال هذه الاشیاء بعضها ببعض قال ما فی هذا شك.

قلت فاخبرنی و ناصح نفسك ألست تعلم ان هذه الحدیقة و ما فیها من الخلقة العظیمة من الانس و الدواب و الطیر و الشجر و العقاقیر و الثمار و غیرها لا یصلحها الا شربها و ریها من الماء الذی لا حیاة لشی ء الابه؟ قال بلی. قلت افتری الحدیقة و ما فیها من الذرء خالقها واحد و خالق الماء غیره یحبسه عن هذه الحدیقة اذا شاء و یفسده اذا شاء فیفسد علی الخالق الحدیقة؟ قال ما ینبغی ان یكون خالق هذه الحدیقة و ذاری ء هذا الذرء الكثیر و غارس هذه الاشجار الا المدبر الاول و ما ینبغی ان یكون ذلك الماء لغیره و ان الیقین عندی لهو الذی یجری هذه المیاه من ارضه و جباله لغارس هذه الحدیقة و ما فیها من الخلیقة لانه لو كان الماء لغیر صاحب هذه الحدیقة لهلكت الحدیقة و ما فیها و لكنه خالق الماء قبل الغرس و الذرء و به استقامت الاشیاء و صلحت.

قلت افرأیت لولم یكن لهذه المیاه المتفجرة فی الحدیقة لما یفضل من شربها یحبسه عن الحدیقة ان یفیض علیها الیس كان یهلك ما فیها من الخلق علی حسب ما كانوا یهلكون لو لم یكن لها ماء؟ قال بلی. و لكنی لا ادری لعل هذا البحر لیس له حابس و انه شی ء لم یزل.

قلت اما انت فقد اعطیتنی انه لولا البحر و مغیض المیاه الیه لهلكت الحدیقة. قال أجل. قلت فاخرنی اخبرك عن ذلك بما تستیقن بان خالق البحر هو خالق الحدیقة و ما فیها من الخلیقة و انه جعله مغیضا لمیاه الحدیقة مع ما جعل فیه من المنافع للناس. قال فاجعلنی من ذلك علی یقین كما جعلتنی من غیره قلت ألست تعلم ان فضول ماء الدنیا یصیر فی البحر؟ قال بلی.



[ صفحه 426]



قلت فهل رأیته زائدا قط فی كثرة الماء و تتابع الامطار علی الحد الذی لم یزل علیه او هل رأیته ناقصا فی قلة المیاه و شدة الحر و شدة القحط؟ قال لا.

قلت افلیس ینبغی ان یدلك عقلك علی ان خالقه و خالق الحدیقة و ما فیها من الخلیقة واحد و انه هو الذی وضع له حدا لا یجاوزه لكثرة الماء و لا لقلته و ان مما یستدل علی ما اقول انه یقبل بالامواج امثال الجبال یشرف علی السهل و الجبل فلو لم تقبض امواجه و لم تحبس فی المواضع التی امرت بالاحتباس فیها لا طبقت علی الدنیا حتی اذا انتهت علی تلك المواضع التی لم تزل تنتهی الیها ذلت امواجه و خضع اشراقه قال ان ذلك لكما وصفت و لقد عاینت منه كل الذی ذكرت و لقد اتیتنی ببرهان و دلالات ما اقدر علی انكارها و لا جحودها لبیانها. قلت و غیر ذلك ساتیك به مما تعرف ایصال الخلق بعضه ببعض و ان ذلك من مدبر حكیم عالم قدیر الست تعلم ان عامة الحدیقة لیس شربها من الانهار و العیون و ان اعظم ما ینبت فیها من العقاقیر و البقول التی فی الحدیقة و معاش ما فیها من الدواب و الوحش و الطیر من البراری التی لا عیون لها و لا انهار انما یسقیه السحاب قال بلی.

قلت افلیس ینبغی ان یدلك عقلك و ما ادركت بالحواس التی زعمت ان الاشیاء لا تعرف الا بها انه لو كان السحاب الذی یحتمل من المیاه الی البلدان و المواضع التی لا ینالها ماء العیون و الانهار و فیها العقاقیر و البقول و الشجر و الانام لغیر صاحب الحدیقة لامسكه عن الحدیقة اذا شاء و لكان خالق الحدیقة من بقاء خلیقته التی ذرأ و برأ علی غرور و وجل خائفا علی خلیقته ان یحبس صاحب المطر الماء الذی لا حیاة للخلیقة الابه. قال ان الذی جئت به لواضح متصل بعضه ببعض و ما ینبغی ان یكون الذی خلق هذه الحدیقة و هذه الارض و جعل فیها الخلیقة و الخلق لها هذا المغیض و انبت فیها هذه الثمار المختلفة الا خالق السماء و السحاب یرسل منها ما یشاء من الماء اذا شاء ان یسقی الحدیقة و یحیی ما فی الحدیقة من الخلیقة و الاشجار و الدواب و البقول و غیر ذلك الا انی احب ان تأتینی بحجة ازداد بها یقینا و اخرج بها من الشك. قلت فانی آتیك بها ان شاء الله من قبل اهلیلجتك و اتصالها بالحدیقة و ما فیها من الاشیاء المتصلة باسباب السماء لتعلم ان ذلك بتدبیر علیم حكیم. قال و كیف تأتنی بما یذهب عنی الشك من قبل الاهلیلجة؟ قلت فیما أریك فیها من اتقان الصنع و اثر التركیب المؤلف و اتصال ما بین عروقها الی فروعها و احتیاج بعض ذلك الی بعض حتی یتصل بالسماء



[ صفحه 427]



قال ان اریتنی ذلك لم اشك. قلت الست تعلم ان الاهلیلجة نابتة فی الارض و ان عروقها مؤلفة الی اصل و ان الاصل متعلق بساق متصل بالغصون و الغصون متصلة بالفروع و الفروع منضومة بالاكمام و الورق و ملبس ذلك كله الورق و یتصل جمیعه بظل یقیه حر الزمان و برده؟ قال اما الاهلیلجة فقد تبین لی اتصال لحائها و ما بین عروقها و بین ورقها و منبتها من الارض فأشهد ان خالقها واحد لا یشركه فی خلقها غیره لاتقان الصنع و اتصال الخلق و ائتلاف التدبیر و احكام التقدیر.

قلت ان اریتك التدبیر مؤتلفا بالحكمة و الاتقان معتدلا بالصنعة محتاجا بعضه الی بعض متصلا بالارض التی خرجت منه الاهلیلجة فی الحالات كلها اتقر بخالق ذلك؟ قال اذا لا اشك فی الوحدانیة. فلت فافهم وافقه ما اصف لك ألست تعلم ان الارض متصلة باهلیلجتك و اهلیلجتك متصلة بالتراب و التراب متصل بالحر و البرد و الحر و البرد متصل بالهواء و الهواء متصل بالریح و الریح متصل بالسحاب و السحاب متصل بالمطر و المطر متصل بالازمنة و الازمنة متصلة بالشمس و القمر و الشمس و القمر متصلتان بدوران الفلك و الفلك متصل بما بین السماء و الارض صنعة ظاهرة و حكمة بالغه و تألیف متقن و تدبیر محكم متصل كل هذا ما بین السماء و الارض لا یقوم بعضه الا ببعض و لا یتأخر واحد منهما عن وقته ولو تأخر عن وقته لهلك جمیع من فی الارض من الانام و النبات. قال ان هذه لهی العلامات البینات و الدلالات الواضحات التی یجری معها اثر التدبیر باتقان الخلق و التألیف مع اتقان الصنع لكنی لست ادری لعل ما تركت غیر متصل بما ذكرت؟ قلت و ما تركت. قال الناس!

قلت الست تعلم ان هذا كله متصل بالناس سخر لها المدبر المدبر الذی اعلمتك انه ان تاخر شی ء مما عددت علیك هلكت الخلیقة و اباد جمیع ما فی الحدیقة و ذهبت الاهلیلجة التی تزعم ان فیها منافع الناس؟ قال فهل تقدر أن تفسر لی هذا الباب علی مالخصت لی غیره؟ قلت نعم ابین لك ذلك من قبل اهلیلجتك حتی تشهد ان ذلك كله مسخر لبنی آدم قال و كیف ذلك؟ قلت خلق الله السماء سقفا مرفوعا و لولا ذلك اغتم خلقه لقربها و احترقتهم الشمس لدنوها و خلق لهم شهبا و نجوما یهتدی بها فی ظلمات البر و البحر لمنافع الناس و نجوما یعرف بها أصل الحساب فیها الدلالات علی أبطال الحواس و وجود معلمها الذی علمها عباده مما لا یدرك علمها بالعقول فضلا عن الحواس و لا یقع علیها الاوهام و لا یبلغها



[ صفحه 428]



العقول الابه لانه العزیز الجبار الذی دبرها و جعل فیها سراجا و قمرا منیرا یسبحان فی فلك یدور بهما دائبین یطلعهما تارة و یؤفلهما اخری فبنی علیه الایام و الشهور و السنین التی هی من سبب الشتاء و الصیف و الربیع و الخریف ازمنة مختلفة الاعمال اصلها اختلاف اللیل و النهار و الذان لو كان واحد منهما سرمدا علی العباد لما قامت لهم معایش ابدا فجعل مدبر هذه الاشیاء و خالقها النهار مبصرا و اللیل سكنا و اهبط فیها الحر و البرد متباینین لودام واحد فیهما بغیر صاحبه ما نبتت شجرة و لا طلعت ثمرة و لهلكت الخلیقة لان ذلك متصل بالریح المتصرفة فی الجهات الاربع باردة تبرد أنفاسهم و حارة تلقح اجسادهم و یدفع الاذی عن الاذی عن ابدانهم و معایشهم و رطوبة ترطب طبایعهم و یبوسة تنشف رطوباتهم و بها یتألف المفترق و بها یفترق الغمام المطبق حیث ینبسط فی السماء كیف یشاء مدبره فیجعله كسفا فتری الودق یخرج من خلاله بقدر معلوم لمعاش مفهوم و ارزاق مقسومة و آجال مكتوبة ولو أحتبس عن ازمنته و وقته لهلكت الخلیقة و یبست الحدیقة فانزل الله المطر فی ایامه و وقته الی الارض التی خلقها لبنی آدم و جعلها فراشا و مهادا و حبسها أن تزول بهم و جعل الجبال لها اوتادا و جعل فیها ینابیع تجری فی الارض بما تنبت فیها لا تقوم الحدیقة و الخلیقة الا بها و لا یصلحون الا علیها مع البحار التی یركبونها أو یستخرجون منها حلیة یلبسونها و لحما طریا و غیره یأكلونه فعلم ان اله البر و البحر و السماء و الارض و ما بینهما واحد حی قیوم مدبر حكیم و انه لو كان غیره لاختلفت الاشیاء و كذلك السماء نطیر الارض التی اخرج الذرء منها حبا و عنبا و قضبا و زیتونا و نخلا و حدائق غلبا و فاكهة و ابا بتدبیر مؤلف مبین بتصویر الزهرة و الثمرة حیاة لبنی آدم و معاشا تقوم به اجسادهم و تعیش بها انعامهم التی جعل الله فی اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثا و متاعا الی حین و الانتفاع بها و البلاغ علی ظهورها معاشا لهم لا یحیون الابه و صلاحا لا یقومون الا علیه و كذلك ما جهلت من الاشیاء فلا تجهل ان جمیع ما فی الارض شیئان شی ء یولد و شی ء ینبت احدهما آكل و الاخر مأكول و مما یدلك عقلك انه خالقهم ما تری من خلق الانسان و تهیئة جسده لشهوة الطعام و المعدة لطحن الماكول و مجاری العروق لصفوة الطعام و هیألها الامعاء فلو كان خالق المأكول غیره لما خلق الاجساد مشتهیة للمأكول و لیس له قدرة علیه.

قال لقد وصفت صفة اعلم انها من مدبر حكیم لطیف قدیر علیم قد آمنت و صدقت ان الخالق واحد سبحانه و بحمده غیر انی اشك فی هذه السمائم القاتلة ان یكون هو الذی



[ صفحه 429]



خلقها لانها ضارة غیر نافعة. قلت الیس قد صار عندك انها من غیر خلق الله؟ قال نعم لان الخلق عبیده و لم یكن لیخلق ما یضرهم.

قلت سأبصرك من هذا شیئا تعرفه و لا انبئك الا من قبل اهلیلجتك هذه و علمك بالطب قال هات. قلت هل تعرف شیئا من النبت لیس فیه مضرة للخلك؟ قال نعم. قلت ما هو قال هذه الاطعمة.

قلت الیس هذا الطعام الذی وصفت یغیر الوانهم و یهیج اوجاعهم حتی یكون منها الجذام و البرص و السلال و الماء الاصفر و غیر ذلك من الاوجاع؟ قال هو كذلك. قلت أما هذا الباب فقد أنكسر علیك قال اجل. قلت هل تعلم شیئا من النبت لیس فیه منفعة؟ قال نعم قلت الیس یدخل فی الادویة التی یدفع بها الاوجاع من الجذام و البرص و السلال و غیر ذلك و یدفع الداء و یذهب السقم مما انت اعلم به لطول معالجتك؟ قال انه كذلك.

قلت فاخبرنی أی الادویة عندكم اعظم فی السمائم القاتلة الیس التریاق؟ قال نعم هو رأسها و اول ما یفزع الیه عند نهش الحیات و لسع الهوام و شرب السمائم. قلت الیس تعلم انه لابد للادویة المرتفعة و الادویة المحترقة فی اخلاط التریاق الا ان تطبخ بالافاعی القاتله قال نعم هو كذلك و لا یكون التریاق المنتفع به الدافع للسمائم القاتلة الا بذلك، و قد أنكسر علی هذا الباب فأنا اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شریك له و انه خالق السمائم القاتلة و الهوام العادیة و جمیع النبت و الاشجار و غارسها و منبتها و باری ء الاجساد و سائق الریاح و مسخر السحاب و أنه خالق الادواء التی تهیج بالانسان كالسمائم القاتلة التی تجری فی اعضائه و عظامه و مستقر الادواء و ما یصلحها من الدواء العارف بالروح و مجری الدم و اقسامه فی العروق و اتصاله بالعصب و الاعضاء و العصب و الجسد و انه عارف بما یصلحه من الحر و البرد عالم بكل عضو بما فیه و انه هو الذی وضع هذه النجوم و حسابها و العالم بها و الدال علی نحوسها و سعودها و ما یكون من الموالید و ان التدبیر واحد لم یختلف متصل فیما بین السماء و الارض و ما فیها، فبین لی كیف هو الاول و الاخر و هو اللطیف الخبیر و اشباه ذلك. قلت هو الاول بلا كیف و هو الاخر بلا نهایة لیس له مثل خلق الخلق و الاشیاء لا من شی ء و لا كیف بلا علاج و لا معاناة و لا فكر و لا كیف كما انه لا كیف له و انما الكیف بكیفیة المخلوق لانه الاول لا بدء له و لا شبه و لا مثل و لا ضد و لا ند لا یدرك ببصر و لا یحس بلمس و لا یعرف الا بخلقه تبارك و تعالی. قال فصف لی قوته قلت انما سمی ربنا جل جلاله قویا للخلق العظیم القوی الذی خلق مثل



[ صفحه 430]



الارض و ما علیها من جبالها و بحارها و رمالها و اشجارها و ما علیها من الخلق المتحرك من الانس و من الحیوان و تصریف الریاح و السحاب المسخر المثقل بالماء الكثیر و الشمس و القمر و عظمها و عظم نورهما الذی لا تدركه الابصار بلوغا و لا منتهی و النجوم الجاریة و دوران الفلك و غلظ السماء و عظم الخلق العظیم و السماء المسقفة فوقنا راكدة فی الهواء و ما دونها من الارض المبسوطة و ما علیها من الخلق الثقیل و هی راكدة لا تتحرك غیر انه ربما حرك فیها ناحیة و الناحیة الاخری ثابتة و ربما خسف منها ناحیة و الناحیة الاخری قائمة یرینا قدرته و یدلنا بفعله علی معرفته فلهذا سمی قویا لا لقوة البطش المعروفة من الخلق ولو كانت قوته تشبه قوة الخلق لوقع علیه التشبیه و كان محتملا للزیادة و ما احتمل الزیادة كان ناقصا و ما كان ناقصا لم یكن تاما و ما لم یكن تاما كان عاجزا ضعیفا والله تعالی لا یشبه بشی ء و انما قلنا انه قوی للخلق القوی و كذلك قولنا العظیم و الكبیر و لا یشبه بهذه الاسماء، الله تبارك و تعالی قال افرأیت قوله سمیع بصیر عالم؟ قلت انما یسمی تبارك و تعالی بهذه الاسماء لانه لا یخفی علیه شی ء مما تدركه الابصار من شخص صغیر او كبیر او دقیق او جلیل لا نصفه بصیرا بلحظ عین كالمخلوق و انما سمی سمیعا لانه ما یكون من نجوی ثلاثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم و لا ادنی من ذلك و لا اكثر الا هو معهم اینما كانوا یسمع النجوی و دبیب النمل علی الصفا و خفقان الطیر فی الهواء لا تخفی علیه خافیة و لا شی ء مما ادركته الاسماع و الابصار و ما لا تدركه الاسماع و الابصار ما جل من ذلك و ما دق و ما صغر و ما كبر و لم نقل سمیعا بصیرا كالسمع المعقول من الخلق و كذلك انما سمی علیما لانه لا یجهل شیئا من الاشیاء لا تخفی علیه خافیة فی الارض و لا فی السماء علم ما كان و ما یكون و ما لا یكون و ما لو كان كیف یكون و لم نصف علیما بمعنی غریزة یعلم بها كما ان للخلق غریزة یعلمون بها فهذا ما اراد من قوله علیهم فعز من جل عن الصفات و من نزه نفسه عن افعال خلقه فهذا هو المعنی و لولا ذلك لما فصل بینه و بین خلقه فسبحانه و تقدست اسماؤه قال ان هذا لكما تقول و لقد علمت انما غرضی ان اسأل عن رد الجواب فیه عند مصرف یسنح عنی فاخبرنی لعلی احكمه فیكون الحجة قد انشرحت للمتعنت المخالف او السائل المرتاب او الطالب المرتاد مع ما فیه لاهل الموافقة من الازدیاد فاخبرنی عن قوله لطیف و قد عرفت انه للفعل و لكن قد رجوت ان تشرح لی ذلك بوصفك قلت انما سمیناه لطیفا للخلق اللطیف و لعلمه بالشی ء اللطیف مما خلق من البعوض و الذرة و من ما هو اصغر منهما لا یكاد تدركه الابصار و العقول لصغر خلقه من



[ صفحه 431]



عینه و سمعه و صورته لا یعرف من ذلك لصغره الذكر من الانثی و لا الحدیث المولود من القدیم الوالد فلما رأینا لطف ذلك فی صغره و موضع العقل فیه و الشهوة للسفاد و الهرب من الموت و الحدب علی نسله من ولده و معرفة بعضها بعضا و ما كان منها فی اللجج البحار و أعناق السماء و المفاوز و القفار و ما هو معنا فی منازلنا و یفهم بعضهم بعضا من منطقهم و ما یفهم من اولادها و نقلها الطعام الیها و الماء علمنا ان خالقها لطیف و أنه لطیف یخلق اللطیف كما سمیناه قویا یخلق القوی.

قال ان الذی جئت به لواضح فكیف جاز للخلك ان یتسمون باسماء الله؟ قلت ان الله جل ثناؤه و تقدست اسماؤه اباح للناس الاسماء و وهبها لهم و قد قال القائل من الناس للواحد واحد و یقول لله واحد و یقول قوی والله تعالی قوی، و یقول صانع والله صانع و یقول رازق، و یقول سمیع بصیر والله سمیع بصیر و ما اشبه ذلك فمن قال للانسان واحد فهذا له أسم و له شبیه والله واحد و هو له أسم و لا شی ء له شبیه و لیس المعنی واحدا و اما الاسماء فلهی دلالتنا علی المسمی لانا قد نری الانسان واحدا و انما نخبر واحدا اذا كان مفردا فعلم ان الانسان فی نفسه لیس بواحد فی المعنی لان اعضاءه مختلفة و اجزاءه لیست سواء و لحمه غیر دمه، و عظمه غیر عصبه، و شعره غیر ضفره، و سواده غیر بیاضه، و كذا سائر الخلك و الانسان واحد فی الاسم و لیس بواحد فی الاسم و المعنی و الخلك فاذا قیل لله فهو الواحد الذی لا واحد غیره لانه لا اختلاف فیه و هو تبارك و تعالی سمیع و بصیر و قوی و عزیز و حكیم و علیم فتعالی الله أحسن الخالقین. قال فاخبرنی عن قوله رؤوف رحیم و عن رضاه و محبته و غضبه و سخطه. قلت ان الرحمة و ما یحدث لنا منها شفقة و منها جود و ان رحمة الله ثوابه لخلقه، و الرحمة من العباد شیئان احدهما یحدث فی القلب الرأفة و الرقة لما یری بالمرحوم من الضر و الحاجة و ضروب البلاء و الآخر ما یحدث من بعد الرأفة و اللطف علی المرحوم منا ما نزل به و قد یقول القائل انظر الی رحمة فلان و انما یرید الفعل الذی حدث عن الرأفة التی فی قلب فلان، و انما یضاف الی الله تعالی من فعل ما حدث عنا من هذه الاشیاء.

و اما المعنی الذی هو فی اللب فهو منفی عن الله كما وصف عن نفسه فهو رحیم لا رحمة رقة، و اما الغضب فهو منا اذا غضبنا تغیرت طبایعنا و ترتعد احیانا مفاصلنا و حالت الواننا ثم نجی ء من بعد ذلك بالعقوبات فسمی غضبا فهذا كلام الناس المعروف و الغضب شیئان أحدهما فی القلب و اما المعنی الذی هو فی القلب فهو منفی عن الله جل جلاله، و كذلك رضاه و سخطه



[ صفحه 432]



و رحمته علی هذه الصفة جل و عز لا شبیه له و لا مثل فی شی ء من الاشیاء.

قال فاخبرنی عن ارادته: قلت ان الارادة من العباد الضمیر و ما یبدو بعد ذلك من الفعل و اما من الله عزوجل فالارادة للفعل احداثه انما یقول له كن فیكون بلا تعب و لا كیف. قال قد بلغت حسبك فهذه كافیة لمن عقل و الحمد لله الذی هدانا من الضلال و عصمنا من ان نشبهه بشی ء من خلقه و ان نشك فی عظمته و قدرته و طیف صنعه و جبروته جل من الاشباه و الاضداد و تكبر عن الشركاء و الانداد. «انتهی»